يسمعون حسيسها – أيمن العتوم + تحميل

خلف الوادي انتشرت أشجار هرمة . إلا انها ظلت خضراء على طول عمرها الذي تجاوز مئات السنين .. ووقفت أمام شجرة لزاب عتيقة
وخاطبت فيها الراحلين جميعا من جدي الى جدتي الى عمتي الى الى كلب صديقي الى قطة جارتنا الى ببغاء اخي : لقد شهدتكم هذه الشجرة العتيقة ، انتم مضيتم وظلت هي مخضرة ،انتم توقفتم عن العطاء عند حد الثواء وهي ظلت تعطي كأنها من النهر نفسه تستمد البقاء
انتم انبتم من جذوركم فسقطتم على جبهاتكم في حفر التراب ، وهى ظلت تضرب جذورها في التراب و رؤؤس أغصانها في رحب الفضاء آنتم فانون وهي الى الآن باقية

ثالث كتاب وثاني رواية أقرأها لأخي وصديقي الحبيب الشاعر الدكتور أيمن العتوم… وفي كل كتاب كنت أقرأه كنت أقول في نفسي: إذا كان الدكتور أيمن بهذه البراعة وهذه الروعة في وصفه لأحداث قاسية أليمة.. فكيف لو كانت رواياته عن الجمال والحب والأشياء الجميلة…فبالرغم من قسوة الموضوع وهول الأحداث إلا أنك لا تستطيع إغفال الرونق الخاص الذي يضيفه الشاعر بأحاسيسه وتعبيراته الراقية المفعمة رقة وشفافية…
لم تكن هذه الرواية قراءتي الأولى في أدب السجون….لكنها كانت الأولى التي تحدثت عن سجون سورية بهذا التفصيل الرهيب…يشدك الأسلوب الراقي في السرد … وجمال الوصف ودقة التصوير…وكأن الكاتب يكتب عن نفسه لا عن غيره…
رواية تقع في ثلاثمائة وخمس وستين صفحة.. بعدد أيام السنة…. وكلما قلبت صفحة من صفحاتها تساقطت معها أرواح الشهداء …وسالت دماء السجناء تحت لسعات السياط وهي تلهب ظهورهم وتنهش أجسادهم… وتأتي على ما تبقى في نفوسهم من كرامة أو معنى للحياة…
أحداث القصة وقعت قبل أكثر من ثلاثين سنة… لكنها لم تنته حتى يومنا هذا….. ففي كل يوم تشرق فيه الشمس هناك سياط ترتفع لتعود وتغمد في أجساد سقيت ماء الذل قبل أن تسحب على الرمال في الشمس المحرقة… في كل يوم هناك إخوان لنا يعذبون في سورية وغير سورية… هناك من تلهب ظهورهم بالهراوات والعصي لا لشيء إلا لأنهم حملوا كرامة الأمة فوق عاتقهم وأبوا إلا أن يقولوا كلمة الحق غير آبهين بما قد يحل بهم..
حريتان لا تجتمعان في البلاد العربية: حرية الفكر وحرية الجسد؛ فمن كان طليق الجسد كان مقيد الفكر والقول والتعبير.. وأما من يطلق العنان لفكره فتسلب منه حرية جسده…. وفي السجن له أن يعتقد ما يشاء دون الخوف من أحد…. فهم يستطيعون سجن جسده لكنهم لن ينجحوا في سجن عقله أو تقييد فكره…
في السجن… تنعدم قوانين الفيزياء والرياضيات… وتحل مكانها الكرامات والمعجزات… تتساقط قوانين الطبيعة على أعتاب أجساد قد امتلأت إيمانا ويقينا صادقا وحبا للوطن…
الرواية مليئة بالصور الأدبية الجميلة .. وددت لو بالإمكان أن أقتبسها جميعا هنا.. لكني أكتفي بذكر اثنتين منها:
“كانت ليلة بدرية, مددت بصري الهائم عبر الشراقة أطالع صفحة السماء, وأهيم في الكحليّ المتمدد خلف الأبيض المنسرب من القرص الفضي يصنع هالة من الأنس والطمأنينة لم أشعر بمثلهما من قبل!! ارتسم وجه ابنتي ذات الربيع الأول على صفحة القمر..”
“توقف المد البشري عن التموج, صارت الطرقات خالية, وبعد قليل صارت الصحراء تلف الأفعى الوحيدة التي ينزلق باصنا على جلدها”

كلمات ستبقى شاهدة على ظلم الطغاة … ونضال الأحرار, الذين تحررت أرواحهم من قيود الدنيا وعبودية الجسد…
أنصحكم جميعا بقراءته…

Ahmad Ashkaibi

Related Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *