تراب سخون لأميرة غنيم

الوصف:

«وسيلة بن عمّار» أو «وسيلة بورقيبة» أو «الماجدة» أسماء شتّى لمُسَمّى وحيدٍ اختلفت حوله الحكايات وتراكمت بقوّة التخييل وألاعيب السرد حتّى غطّتْ طبقةً فوق أخرى وجهَ المرأة «الحقيقيّ» وكرّسَتْ صورتَها في مخيّلة الناس: شرّيرة تلاعبت بقلب «المُجاهد الأكبر» وغرزت أظفارها في جسد الدّولة الفتيّة بدسائسها ومؤامراتها. فأين تكمن الحقيقة؟ في الوجه أم في القناع؟ لا أحد تجرّأ على الإجابة، حتّى «الماجدة» نفسُها لاذت بالصّمت، ولعلّها أُكرهت عليه.

لكنّ أميرة غنيم ضرَبَتْ في جغرافيا الصّمت ووضعَتْ مِشْرَط الفنّ بين الوجه وقِناعه فقارعَت التخييلَ بالتخييلِ واسْتَنْطَقت المرأةَ وأنطَقَتها. «تراب سخون»، روايةٌ عن السّلطة والمقاومة والحبّ والخذلان، تجوب بنا تاريخَ تونس الخفيّ، وتتغلغل عميقًا في البواطن والنفوس، فما الّذي يحدث خلف جدار السلطة العازل؟ وكيف تسقط الدّولة؟ بالعنجهيّة والتجبّر والغرور أم بالمكائد والخيانات؟ وأيّ خيانةٍ أفظع من خيانة الإنسان لنفسه حين يخسر بإرادته من يحبّ؟

  • المؤلف: أميرة غنيم
  • الناشر: ميسكيلياني
  • اللغة: العربية
  • عدد الصفحات: 320
  • تاريخ الصدور: 2024

و ما السلطة سوى بحر عميق غدار يغوي البحار بسحره و جماله ثم ما إن يسحبه إلى جوفه حتى يفاجأه بكل أهواله و شراسته..
و حينها لا مفر من الاستعانة بحورية حكيمة للاهتداء إلى سبيل النجاة..
و مع كثرة العواصف، يكتشف البحار أن الحورية هي ملكة البحر الفعلية و أنه من دونها وحيد محاصر بالغدر و الخيانة


تعثر جيهان المدققة اللغوية صدفة على فلاش ديسك غريب، إثر عطل مفاجئ أصاب سيارتها.

تحاول الاطلاع عليه فتفاجأ بمادة غريبة تحتوي على محادثات فايسبوكية بين سيدة فرنسية تدعى جاكلين غاسبار و أخرى تونسية إسمها سعاد الكامل ..

إضافة إلى تسجيلات غريبة مختلطة بصوت أنثوي مع أغاني تونسية قديمة..

بعد التثبت تفهم أنها أمام اعترافات وسيلة بن عمار أو كما تعرف بالماجدة الزوجة الثانية للرئيس بورقيبة..
و هي اعترافات سجلتها و أودعتها لدى تلك السيدة الفرنسية التي تنوي نشرها في كتاب..

و لكن الكتاب بلا خاتمة..الخاتمة سر تعرفه سعاد الكامل ممرضة الرئيس بورقيبة في قصره بمدينة المنستير بعد الانقلاب عليه..

فماهي القصة؟

من خلال المراوحة بين تسجيلات وسيلة بورقيبة و الرسائل المتبادلة بين جاكلين غاسبار و سعاد الكامل، سنتعرف على شخصية أول امرأة تتقلد منصب السيدة الأولى في تونس.

امرأة غير اعتيادية، لم تستسلم أمام المرض و اليتم و وصلت إلى أعلى هرم السلطة ثم هوت منه فجأة ..

فماذا عن الذل بعد حياة العز، ماذا عن الانكسار بعد كل تلك الهيبة و الوقار، و ماذا عن الغدر بعد الوفاء و الجحود بعد التضحية؟

أجد أن الكاتبة جريئة في كتابة هذه الرواية، فهي إلى جانب شخصية وسيلة بروقيبة، ستصف الزعيم نفسه بعيني زوجته، في لحظات القوة و الضعف و لحظات العشق و الجفاء.. تصف رجلا لا يزال مقدسا لدى ذاكرة بعض التونسيين حتى لدى الذين لم يشهدوا عهده.

سيتداخل الواقع بالخيال هنا و ستسأل نفسك هل حصل هذا فعلا؟ هل حاولت لقاءه بعد عزله؟ هل اشتاق إليها بعد أن طلقها غيابيا؟ هل أحبا بعضهما البعض أم أن المصالح و السلطة ربطت بينهما كحبل طويل أصبح باليا بمرور الزمن؟

Marwa Reading Passion

رواية آسرة، تخوض من خلالها الكاتبة أميرة غنيم تجربة سردية تنطوي على مغامرة خطرة، إذا أنه ليس من اليسير أن يزاوج الكاتب بين الواقعية السحريّة، والواقعية التاريخية التي لم تزل قريبة من وجدان الشعوب العربيّة (أعني من هم في مثل سني)، إذ كيف يمكن أن تُغزل حكاية سحريّة أو فانتازيّة على نول التاريخ المشهود، أو أن تُعزف الأوركسترا التاريخيّة على أوتارٍ من لحم ودم، لم تزل مشدودة إلى صدور الغالبيّة منّا؟
وسيلة بورقيبة، أو الماجدة، المرأة التي لم نعرف سرّها، وقَبرتْ حكايتها في صمتها المُختار، تلك الفتاة التي لم تحصل على شهادة تعليميّة تُذكر، ثم نُصّبتْ سيدةً على البلاد والعباد فور اقترانها بالمجاهد الأكبر، الحبيب بورقيبة، أحد أشهر نماذج الحاكم العربي المتحوّل؛ من الجهاد إعلاءً للوطن إلى الكفاح تمجيدًا للذات (وما أكثرها حتى اليوم).
ما هو سر (سحر) تلك السيدة؟ وما حقيقة سطوتها ونفوذها على الرجل الذي عمّر حتى ترنّح فوق عرشه فخلفة بن علي في إثر الانقلاب الطبي المعروف؟
أكانت محض حبيبة انتُزعت رغم أنفها من زواج مستقرٍّ إلى أحضان زعيم لا يقبل الهزيمة؟ أم كان زفافها إلى بورقيبة ومن ثمّ تتويجها الأسطوري نابعًا من رغبتها المتّشحة بكل آيات الرضا والحبور؟
من الذي حكم تونس في الفترة بين عامي 1962 و1986؟
من الذي أوقف مشروع الوحدة التونسية الليبية وأجهض مبكرًا أحلام القذافي التوسعيّة سنة 1974؟
من كان وراء استضافة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس بعد حرب 1982؟
ما الذي دار وراء نوافذ المغلقة الأبواب المصفّحة؟
لو لم يَبُح لنا التاريخ بالحقيقة، أو إذا طَمَر منها أكثر مما أظهر، تعاظمت حاجاتنا إلى حملة الأقلام غير المؤدلجة، ليخلقوا بما وهبهم الله من الخيال الخلّاق، حكايات تسدُّ الفجوات التي تركت في ثوب الحكاية الأصليّة…
هنا تخلق الروائية أميرة غنيم عالمًا سحريًّا يتشابك مع الواقع التاريخي، فترتق المسافات الفارغة بين أقول الشهود، وتُعيد الصفحات المقتطعة من كتب التاريخ إلى مواضعها.
تختلق رحلة هي في واقع الأمر مغامرة أخيرة للماجدة، هي بؤرة الحدث المتخيّل/السحري، الذي يندمج عبر تقنية الاستدعاء والاسترجاع بتاريخ موثق يرتد بنا إلى عام 1942، ثم ينحدر في هوّة الزمن حتى يتوقف في أعقاب الربيع العربي…
تقوم الكاتبة بذلك معضّدةً بالخيال والسحر، إذ تخلق عالمًا شبيهًا بتونس بورقيبة، وتنسج حكايات موازية تثير زوابع الشك، وتُذيب الحاجز الواهي بين الواقع والخيال، حتى يقف القارئ حائرًا بين ما كان، وما كان ليكون لو… (و”لو” هنا قوس مفتوح له طرف واحد بترتْ الكاتبة بحرفيّة نصفه الآخر لتمنحه استمرارية لا نهائية).
تصرخ هذه السرديّة بأن أوطاننا العربية الموعودة بماجديها وماجداتها، كانت ولم تزل واقعة تحت تأثير سحرٍٍ عظيمٍ. سحرٌ يحملها بعيدًا عن الواقع، ويرتع بها في مضامير ألف ليلة وليلة، حتى هذه اللحظة…
فمن يُطالع الأخبار اليومية، في غزة، وفي شتّى ربوع الديار العربيّة، يعرف أننا كنا ولم نزل ممسوسين بسحرٍ عجيبٍ يفقدنا الإرادة، ويقطع أواصر الود، ويضيّع كل الفرص المتاحة…
فما هو ذاك السحر الغامض؟ ربما كان هذا أحد الأسئلة التي حاولت أميرة غنيم أن تجيب عنها في هذا النص الممتع؛ تراب سخون…
رواية أنصح بها القراء العرب، وأتوقع لها نجاحًا أدبيًّا كبيرًا…
4.5/5

Mohamed ندا)

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *