باب العلوج

باب العلوج: هاته الرواية ستسافر بك من تونس لفنيسيا لتجد نفسك تتجول في شوارعها و تستنشق هوائها و تتمتع بجمالها و روعة و فخامة قصورها، فجأة يمتلك الرعب و الخوف لأنك ستجد نفسك في سفينة قراصنة لكنك ستتنفس الصعداء لأن السفينة سترسو بك في تونس، في إفريقية الحفصية فتجد نفسك في قلب المدينة العتيقة بشوارعها و أنهجها الضيقة، بأبوابها، بمينائها و دار سفنها و بقصورها و جِنَانها.

باب_العلوج أو عندما يجتمع التاريخ و الحرب و العظمة و الرومنسية

في لقائي الثاني مع الكاتب حسنين بن عمّو، أصاب بخيبة كبيرة لم تفتأ أن تكبر كلّما تقدّمت في باب العلوج. لقد كتبها بن عمّو في شكل حلقات روائية على أعمدة الصحف في الثمانينات، وأجدُها تتوافق كثيرا مع أدب الصحافة الثّاني لو عنّت التسمية. أما أن يتحوّل المؤلَّفُ إلى كتابٍ روائيّ فذلك يحتاج إلى تحويرات جوهرية لم يقم الكاتب بأي منها.
يختصّ حسنين بن عمّو في كتابة القصّة التاريخيّة بغرض عرْض تاريخ تونس وآثارها وأعلامها في شكلٍ مسلٍّ تتقبّله الجماهير. لذلك يحرص الكاتب على التدقيق التاريخيّ أكثر من أي شيء آخر. وينسى أنه يتوسّل لذلك أداةَ الأدبِ والفنِّ، وإلاّ فسردُ التّاريخ له أصوله وسبُله، حتّى في صيغة مبسّطة.

لا تنجحُ بابُ العلوج في أي مستوى أدبي تقريبا. يخلو الأسلوب من أيّ من أدوات البديعِ تقريبا، وتتجرّد الكتابة من أي محاولةٍ للخلق. شيءٌ أشبه بالكتابة الصحفيّة الّتي ترومُ وصف الأحداث والأشياء بكلِّ تجرّد تقريبا. أمّا المعجمُ فلم يساير السياق التاريخيّ، واعتمدَ على عربية حديثةٍ لا تبلّغ بشيء عن الحقبة الموصوفةِ.

ولئن عمل الكاتب على الوصف الدقيق لمختلف الأماكن التاريخيّة واستحضارها كما يليق، فإنّه أفرط في سرد الأحداث التاريخيّة أحيانا، أو في ذكر سير الأعلام، حتّى إنّه حوّل الرواية الأدبية إلى ركنِ أعلام بلادي في مجلّة عرفان. وفي نهاية الرواية تحوّل الكتاب إلى درس في التاريخ لتلاميذ الثانوي. وليت الدقيقَ شمل شخصيات الرواية، فإذا هم غرباءٌ عن القرن الخامس عشر أو غرباء عن السياق الذي هم فيه على الأقل.
ففي القرن الخامس عشر ميلادية يعسر أن نتخيل الإيطاليين يجهلون جيرانهم الّذين يبعدون عنهم بضعة أميال لا غير. أولئك الّذين ينادونهم المور منذ القديم، أو الأفارقة مثلما لقّبوا ليون الإفريقيّ أو الحسن الوزّان في تلك الحقبة. مع هذا، تفسّر القهرمانة للجواري اللاتي كنّ نساءً متعلمات إسم البلاد وأين تقع واسم أهلها. أما الأسوأ فهو جهلهنّ بالحمامات العمومية وهم من البلد الّذي اخترعها وأرسى ثقافتها في سواحل المتوسط.

لكنّ السياق التاريخيّ هو أهون ما يلام على شخصيات الرواية. شخصياتٌ مسطّحة لا تتغير تقريبا، وتستمرّ على وتيرة واحدة إلى آخر الصفحات. أحيانا يخيّل إلينا أن البطليْن المخطوفين، إنما انتقلا من تونس إلى البندقية وليس العكس. فماريّا أو ريم لا تصدمُها فكرة تعدّد الأزواج وهي المسيحية القادمة من جوّ كاثوليكيٍّ قاتم، بل وتسعى إلى مشاركة صديقتِها في الرجل الّذي تحبّ وهي الّتي نشأت على فكرة أخرى عن الحب. أما أنطونيو فقد أبدى اندهاشه من رغبة صديقه عن النساء والزواج، واضطر صاحبه أن يشبه نفسه بالقساوسة ليفهم. من منهما أقربُ إلى تمثّل القساوسة في ذهنه؟

في الرواية الكثير من الشوفينيّة الجديرة بمجلات الأطفال، لغرس حبّ الوطن والدين في النشأة. وفيها سجالات دينية كثيرة خالية من أي أطروحة حقيقيّة. مجرّد وعظ وترغيب سطحيّ في الإسلام، وقراءة ركيكة في العقيدة المسيحية. وهذا كلّ ما يمكن للقارئ أن يحصّله من الصفحات الثلاثمائة وخمسين. حتّى الشخصيات التاريخيّة، سوّيّت بشكل مثاليّ مزعج، جعل من السلاطين الحفصيين أناسا تقدُّميّين من القرن العشرين تقريبا.

يحتاج الأدبُ التونسيُّ إلى مثل هذا الصنف من الروايات، ولكن حتما ليس بهذا المستوى.


**************************** ملاحظات تركتها على هوامش النسخة أنقلها هنا
ص14 سان مارك عوض سان ماركو
ص19 في آخر الصفحة كان كلامها سلسلة تخمينات تحتاج كلّ منها إلى وقت طويل للخروج منه، لكن ريتا تتجاوزه في ثلاثة اسطر:
لقد كنت أطمع في قليل من الحب منك
لكني عرفت ان ذلك مستحيل
مع اني نفضت يدي منك من زمان
لكني سوف اساعدك لأن اللعبة استهوتني ولان الفتاة اعجبتني
لكن دعني أقل لك إنها لن تكون لك يا صديقي

ص25: النطق الصحيح هو “الدّوجي”، دوجي البندقية.
Doge

ص27 فقرة خامسة “تؤثث” وليس “تأثث”
صفحة 53: دعونا نستفد وليس نستفيد
صفحة 68 : النساء الروميات لا يعرفن إفريقية، ولا يعرفن المور أي أهل المغرب ولا يعرفن الحمامات وهي رومانية
ص88: لا أكاد أتخيل قهرمان السلطان يحتاج للتذكير بأنه يدفع حاضرا. الأمر سمج جدا.
ص88: جاء القهرمان على حين غرة مع ذلك تجد النساء في كامل زيتهن ينتظرن خلف الستائر تصفيق سيدهن للظهور.
ص111: لا تنس وليس لا تنسى
ص160: هناك مقطع كامل منقوص
ص 221: يا أنطونيو أنا عالم معروف. هل يحدّث شخصية مثله أم يحدث القراء بشكل علني مفتوح كأنما في مجلة عرفان؟
ص229: لم يستطع أحد من حاشية ريم أن يشقّ الفطر. في أي كتاب يمكن أن أجد هذه العبارة؟
ص257: كيف حال أخيك ماريو وليس أخوك

فاروق الفرشيشي

One thought on “باب العلوج – حسنين بن عمو + تحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *