
كتاب الـســدّ – محمود المسعدي
لا يزال السدّ إلى اليوم يتيم دهره، نصّا وحيدا غريبا كأول عهده، ليس كمثله في أدبنا الحديث مغامرة. طلع علينا منذ سنين، و كل ما كتب له لا حق، مفهوم المأساة يستحيل معها الفنّ صراعا بين الخلق و العدم. فكان في الإبداع تجربة خارقة و من تناهيه فيها شبهة بأشهر ما يعرف في الغرب من “تجاريب الحدود”.
هي رواية الفرد و هو مقبل على واقعه المقيت بفأس الثورة يهوي به على كل محفوظ و مألوف و محتوم، يكفر بصهباء و ملّتها، آبيا أن تكون غلاّ في عنقه و قيدا لخياله الباري و شللا لفعله، إذ يرى في إنجيلها تعويذة تمجها أسماعه و تلعنها شفاهه : “إنّي أنا الخالقة الربّة، ثم جاءتنا الملائكة و قالت : الأرض صخر و لا حياة فيها”،
أما زوجه ” ميمونة ” فلم يعد يغريه صوتها و كأن في حديثها سموم، “أرأيت يا غيلان. الماء إثم و سيّئة”، كلّما أنصت إليها، إستبد به القلق والشك و قطعا أحشاءه
فهي شرقية جبرية و هو متمرّد نتشوي يأبى أن يذعن للحدود أو بالأحرى ينفي وجودها. الحياة عنده قيمة يجاهد لتحقيقها و الحياة عندها تصوّر. هو يسخط على واقعه و هي تأنس له. هو يخار التمرغ في وحل الشقاء و هي تأثر الالتفاف داخل شرنقتها الرومانسية المريحة.
أما ملفوظات الهواتف و الحجرات، فهي شبيهة بصوت الأبد و هو يقف ساخرا أمام الفعل الانساني، كلّما أنصت إليه إلا و تجرّعت الغصّة تلو الأخرى. فهو المطلق الذي يذوي أمامه أي معنى للوجود. هو صوت الحقيقة المنادي بالويل و الثبور…
و بطلنا النتشوي، لئن كان عليما بعبثية الوجود فإنه أبى أن تكون هاته الحقيقة حجرة عثرة تحول بينه و بين بناء سدّه. لقد أبى الركون و عيشة الدّعة التي تصبو إليها ميمونة و انبرى ينافح عن الحركة و الحياة.
….”انبرى ينافح عن “الفرد